كيفية استخراج الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي هو أحد أهم مصادر الطاقة في العالم اليوم، ويعتبر من الوقود الأحفوري الذي يتم استخدامه في العديد من الصناعات، من توليد الكهرباء إلى التدفئة المنزلية. ومع تزايد الاعتماد على هذا المصدر للطاقة، أصبح من الضروري فهم كيفية استخراج الغاز الطبيعي واستخدامه بشكل مستدام وفعّال. في هذا المقال، سنتناول عملية استخراج الغاز الطبيعي من البداية حتى الوصول إلى الأسواق، بما في ذلك التقنيات المستخدمة، التحديات التي قد تواجه هذه الصناعة، وأثر ذلك على البيئة.
1. مقدمة عن الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي هو خليط من الهيدروكربونات الغازية التي تتكون أساسًا من الميثان (CH₄)، ولكنه يحتوي أيضًا على كميات متفاوتة من الإيثان، البروبان، والبيوتان. يتشكل الغاز الطبيعي عبر ملايين السنين نتيجة لتحلل الكائنات الحية الدقيقة تحت تأثير الحرارة والضغط الشديدين في أعماق الأرض. يُعتقد أن الغاز الطبيعي يتكون في بيئات بحرية عميقة حيث تكون المواد العضوية في الرواسب البحرية قد تحللت لتنتج غازات هيدروكربونية.
الغاز الطبيعي يمكن أن يكون موجودًا في صخور طبقية أو في خزانات ذات ضغط عالٍ في الصخور التي تحتوي على تراكمات كبيرة من الغاز. عند اكتشافه، يتم استخراج الغاز الطبيعي من الخزانات تحت الأرض من خلال عمليات حفر معقدة.
2. استكشاف الغاز الطبيعي
عملية استخراج الغاز الطبيعي تبدأ بالاستكشاف، وهو أول خطوة أساسية في تحديد أماكن وجود الخزانات الغازية. يتم الاستكشاف باستخدام عدة تقنيات متقدمة:
2.1. المسح الزلزالي
يعتبر المسح الزلزالي أحد أهم أدوات الاستكشاف المستخدمة في الصناعة. يتم إرسال موجات صوتية عبر الأرض وتحليل كيفية ارتداد هذه الموجات عند اصطدامها بالطبقات الجيولوجية. يُظهر هذا المسح تفاصيل دقيقة عن الطبقات الأرضية ويحدد مكان وجود الغاز الطبيعي. يعتمد الخبراء على هذه البيانات لتحديد مواقع الحفر المحتملة.
2.2. المسح الجوي واستخدام الأقمار الصناعية
يمكن أيضًا استخدام تقنيات المسح الجوي، بما في ذلك الطائرات المزودة بأجهزة استشعار لقياس النشاط المغناطيسي أو الجاذبية، لتحليل الخصائص الجيولوجية للأرض. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الأقمار الصناعية تساهم بشكل كبير في مراقبة التغيرات الجغرافية التي قد تشير إلى وجود خزانات للغاز الطبيعي.
2.3. الحفر الاستكشافي
بمجرد تحديد المواقع المحتملة للغاز الطبيعي، يتم الحفر الاستكشافي، الذي يشمل حفر آبار لتحديد الكميات الدقيقة للغاز في الموقع. هذا الحفر يتطلب تقنيات دقيقة ومعدات متقدمة لضمان سلامة العملية ودقتها.
3. حفر الآبار لاستخراج الغاز
بمجرد تحديد مواقع الغاز الطبيعي، تبدأ عملية الحفر الفعلي للآبار. هناك عدة أنواع من الحفر تختلف حسب نوع الخزان الغازي وطبيعة الصخور المحيطة به:
3.1. الحفر التقليدي
يتضمن الحفر التقليدي استخدام جهاز حفر لتثقيب طبقات الأرض وصولًا إلى طبقة الغاز. يتم استخدام طاقة كهربائية أو ميكانيكية لدفع الأداة الحفرية للوصول إلى الأعماق المطلوبة.
3.2. الحفر الأفقي
في بعض الحالات، يتم استخدام الحفر الأفقي بدلاً من العمودي. يساعد هذا النوع من الحفر في الوصول إلى خزانات الغاز الموجودة في الصخور غير التقليدية (مثل الصخور الصخرية أو المكامن غير المرشحة) بفضل تقنيات متقدمة مثل الحفر باستخدام أدوات توجيهية.
3.3. حفر الآبار البحرية
في حالة وجود حقول الغاز تحت البحر، يتم استخدام منصات حفر بحرية مخصصة لهذه المهمة. يتم الحفر باستخدام أجهزة مزودة بتقنيات متطورة لتثقيب الصخور تحت الماء، وتحت ظروف قاسية مثل الضغط العالي.
4. الطريقة الحديثة لاستخراج الغاز الطبيعي: التكسير الهيدروليكي
التكسير الهيدروليكي، أو “فراكينغ”، هو تقنية تستخدم لاستخراج الغاز الطبيعي من المكامن غير التقليدية، مثل الصخري. يتم حقن خليط من الماء والرمل والمواد الكيميائية في الصخور تحت ضغط عالٍ لتكسيرها، مما يسمح للغاز الطبيعي بالتحرر والتحرك نحو البئر. هذه التقنية كانت محورية في تمكين استخراج الغاز من مواقع كانت تعتبر غير قابلة للاستخراج في الماضي.
4.1. التكسير الهيدروليكي في الصخور الصخرية
تعتبر الصخور الصخرية أحد أكبر المكامن غير التقليدية للغاز الطبيعي، حيث يحتوي هذا النوع من الصخور على الغاز بكميات كبيرة لكنه مقيد في المسام الصغيرة. باستخدام التكسير الهيدروليكي، يتم تفتيت الصخور الصلبة وتحفيز تدفق الغاز الطبيعي إلى الآبار.
4.2. المخاوف البيئية
رغم أن التكسير الهيدروليكي قد مكّن من استخراج كميات ضخمة من الغاز الطبيعي، إلا أن له تأثيرات بيئية كبيرة. من أبرز المخاوف التلوث المحتمل للمياه الجوفية بسبب تسرب المواد الكيميائية المستخدمة في عملية التكسير. كما أن التكسير الهيدروليكي قد يتسبب في الزلازل الصغيرة التي تحدث في بعض المناطق التي تُستخدم فيها هذه التقنية بشكل مفرط.
5. استخراج الغاز الطبيعي من الخزانات الجوفية
الغاز الطبيعي يمكن أن يوجد في طبقات صخرية تُعرف بخزانات الغاز الجوفية. عند الوصول إلى هذه الخزانات، يتم استخراج الغاز عن طريق رفعه إلى سطح الأرض باستخدام تقنيات مختلفة، أهمها:
5.1. الضغط الطبيعي
في بعض الحالات، يمكن للغاز أن يرتفع تلقائيًا إلى السطح بسبب الضغط الجوفي. هذا يعني أن الغاز يمكن استخراجه بشكل طبيعي من الآبار دون الحاجة إلى إضافة طاقة خارجية.
5.2. استخدام المضخات
عندما لا يكون الضغط الجوفي كافيًا، يتم استخدام المضخات الميكانيكية أو المضخات الغازية لرفع الغاز إلى السطح. هذه العملية تساهم في تقليل التكاليف وتسهيل استخراج الغاز من أعماق الأرض.
6. معالجة الغاز الطبيعي
بمجرد استخراج الغاز الطبيعي من الآبار، يحتاج إلى معالجة لتقليل المواد غير المرغوب فيها مثل الماء، ثاني أكسيد الكربون، الكبريت، وبعض الهيدروكربونات الثقيلة. تتم معالجة الغاز في محطات خاصة باستخدام تقنيات مثل:
6.1. إزالة الكبريت
يُعد الكبريت من الملوثات الرئيسية التي يجب إزالتها من الغاز الطبيعي. يتم استخدام عمليات كيميائية لامتصاص الكبريت من الغاز.
6.2. التنقية من الملوثات الأخرى
تشمل المعالجة أيضًا إزالة الملوثات الأخرى مثل الماء والمواد الثقيلة التي قد تؤثر على جودة الغاز.
7. النقل والتوزيع
بعد معالجة الغاز الطبيعي، يتم نقله عبر شبكة من الأنابيب إلى أماكن مختلفة للاستهلاك. تعتبر خطوط الأنابيب من أكثر وسائل النقل كفاءة، حيث يتم ضخ الغاز عبر أنابيب ضخمة تمتد عبر مئات أو آلاف الكيلومترات.
7.1. النقل البحري
في بعض الحالات، يتم نقل الغاز الطبيعي عبر ناقلات بحرية على شكل غاز طبيعي مسال (LNG) إلى أسواق العالم. يتطلب هذا التحويل إلى الحالة السائلة باستخدام التبريد في محطات خاصة.
7.2. التخزين
يتم تخزين الغاز الطبيعي في خزانات تحت الأرض أو في منشآت تخزين خاصة لزيادة مرونة إمداد الغاز عند الحاجة.
8. التحديات البيئية والاقتصادية لاستخراج الغاز الطبيعي
رغم الأهمية الاقتصادية الكبيرة لاستخراج الغاز الطبيعي، إلا أن هذه العملية تواجه العديد من التحديات البيئية والاقتصادية. من أهم هذه التحديات:
8.1. التأثيرات البيئية
تسبب عمليات استخراج الغاز، خاصة التكسير الهيدروليكي، تأثيرات سلبية على البيئة مثل تلوث المياه والتأثيرات على التنوع البيولوجي. كما أن انبعاثات غاز الميثان التي قد تحدث أثناء استخراج الغاز تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
8.2. التحديات الاقتصادية
تتطلب صناعة الغاز الطبيعي استثمارات ضخمة في البحث، الاستكشاف، والبنية التحتية، وهو ما ينعكس على التكلفة الاقتصادية لهذه العمليات. كما أن تقلبات أسعار الغاز على المستوى العالمي تؤثر على جدوى المشاريع.
9. خاتمة
يعد الغاز الطبيعي أحد مصادر الطاقة الرئيسية التي يعتمد عليها العالم في تلبية احتياجاته من الطاقة. عملية استخراجه تتطلب تقنيات متقدمة وموارد كبيرة، ولها تأثيرات بيئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. مع تطور التقنيات وزيادة الوعي البيئي، يمكن أن تلعب صناعة الغاز الطبيعي دورًا مهمًا في تلبية احتياجات الطاقة المستقبلية.
